مهارة التخطيط الشخصي(الجزء الأول): الحقائق ، الفوائد ، لماذا لا نخطط؟، معرفة مجالات الحياة ،الأولويات، السمات الضرورية فالأهداف.

إن التخطيط الشخصي أصبح أحد أهم المهارات التي يجب علينا جميعا إتقانها و لعل التجربة التالية و نتائجها تبين أهمية هذه المهارة و كيف لها أن تصنع الفارق على المدى الطويل:

في 1979 أجريت الدراسة على عينة من 100 طالب ما جستير بجامعة هارفارد، تم سؤالهم عما إذا كان لديهم أهداف يودون تحقيقها و هل قاموا بوضع خطة مفصلة من أجل تحقيق هذه الأهداف؟ النتائج كانت كالتالي:

  •      84٪ من الفصل بأكمله لم يضعوا أي أهداف على الإطلاق.
  •      13٪ من الفصل حددوا أهدافًا مكتوبة ولكن لم تكن لديهم خطط محددة.
  •     3٪ من الفصل لديهم أهداف مكتوبة وخطط مفصلة

بعد 10 سنوات كان 13٪ من الفصل الذي حدد أهدافًا مكتوبة ولكن لم يضع خططًا  كانوا يكسبون ضعف ما يعادل 84٪ من الفصل الذي لم يضع أي أهداف على الإطلاق.

المذهل هو أن 3 ٪ من الفصل الذي كان له أهداف مكتوبة وخطة ملموسة كانوا يكسبون عشرة أضعاف ما تبقى من 97 ٪ من الفصل.

على الرغم من أن التجربة ركزت على جانب واحد من جوانب الحياة و هو المال و لكن النتيجة تؤكد بأن النتائج تكون مضاعفة و بشكل كبير لو تم التخطيط و التنفيذ بشكل سليم.

هنالك مقولات جميلة تبين مدى أهمية التخطيط و منها:

  • الفشل في التخطيط هو بمثابة تخطيط للفشل: ما هي خططك المستقبلية لوضعك المالي؟ ما هي خططك لحياتك العائلية و الأسرية و أبنائك؟ متى آخر مرة قمت بالتخطيط لشيء و أنجزته؟
  • ليس المهم معرفة ما تريد ولكن معرفة كيف تصل إليه: ماذا تحتاج للوصول لذلك المدخول المالي الشهري؟ كيف ستصل للحالة الصحية التي ترغب بها؟
  • إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب: هل هنالك أشخاص بإمكانك تطبيق هذه المقولة عليهم؟ و لماذا؟
  • العوائق تبدو دائماً أسوأ إذا لم تواجه: هل تجاهلت أمرا و لم تخطط له و أصبحت عواقبه أسوأ بسبب التأجيل؟
  • ساعة تخطيط توفر 4 ساعات تنفيذ: كم من الوقت تستغرقه في التفكير و التخطيط لشيء أو مهمة؟
  • الخطة المكتوبة ترفع الإنجاز بنسبة 30%: هل تقوم بكتابة هذه الخطط و الخطوات؟
  • إن لم تخطط فحتما ستكون ضمن خطط الآخرين: هل إصطحبك أحد أصدقائك لتنفيذ مخططاته من شراء سيارة مثلا أو تصليحها؟ أو حتى مشاركته التمارين الرياضية من أجل وصوله للوزن المثالي حسب خطته؟ أو أخذك مشوار بعيد لحضور مناسبة أو إجتماع من أجل تحقيق أهدافه و خططه المستقبلية؟

فوائد التخطيط الشخصي:

إن فوائد التخطيط عديدة و متنوعة بعضها مباشر و الآخر غير مباشر، و ديننا الإسلامي الحنيف به العديد من القصص التي تؤكد ذلك من خلال التخطيط الإستراتيجي و ما هجرة المسلمين إلى الحبشة إلا دليل على ذلك لما لها من بعد إستراتيجي ، و قرآننا الحنيف به من الآيات ما يصب في نفس الموضوع:

قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ)

و يقول الله تعالى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبَاً فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)

و هذه بعض من الفوائد المتعددة:

  •    ستصبح أهدافك النهائية واضحة لك: مع مرور الوقت و التخطيط الهادف و التفكير العميق ستدرك معنى الحياة بالنسبة لك و بالتالي ستركز على ما يجعلك سعيدا.
  •      ستصبح لديك ثقة بأن عملك اليومي هادف: تخيل بأن لديك قائمة بالمهام التي ترغب بإنجازها و تلك المهام تقربك خطوة فخطوة من هدفك الأساسي، من المؤكد أن هذا اليوم سيكون أحد أجمل أيامك.
  •         ستصبح قادرا على التحليل بموضوعية و منهجيا في تفكيرك: ستقوم بسؤال نفسك بعض الأسئلة مثل “هل هذا بالفعل ما أريده؟” ، “هل هذا الهدف هو ما سيمنحني الرضى الذي أسعى إليه؟”.
  •         ستصبح قادرا على الاستفادة من نقاط القوة لديك: كيف بإمكاني مثلا إستغلال معارفي الشخصية و علاقاتي لتحقيق أهدافي؟ كيف بإمكاني إستغلال معرفتي باللغة الإنجليزية للدراسة؟
  •         ستقلل من نقاط الضعف: هل من الممكن تقليل إدماني على الهاتف مثلا؟ أوتجنب مصاحبة المحبطون من زملائي؟
  •         ستنجز الأمور: و هذا من أهم الفوائد حيث أن الإنجاز له علاقة طردية مع الثقة بالنفس، فكلما أنجزنا كلما إزدادت ثقتنا بأنفسنا و قام من حولنا بتعزيز ذلك من خلال تأكيد إنجازاتنا و عزمنا.

إذا يبقى السؤال المحير: لماذا لا يخطط الناس؟

  • انطباعات ومواقف سلبية وخاطئة عن التخطيط: لربما قمنا بالتخطيط مسبقا و لم نحصل على النتائج المرغوبة، أو مررنا بتجربة من خلال العمل أو صديق حيث لم ينجح التخطيط.
  • التفاؤل المفرط عن الوضع الحالي: أحيانا الإيجابية المفرطة تعتبر سلبية و يتضح ذلك عندما نواجه مصاعب حقيقية فالحياة و يتحول التفاؤل المفرط إلى يأس! لماذا لا أكون متفائلا و كذلك ممسك بزمام أمور حياتي المالية و المهنية مثلا.
  • عدم القدرة على رسم خطة: و هذا ما سوف نقوم بالتطرق إليه فالجزء الثاني من المقالة وتقليص هذه الفجوة.
  • عدم معرفة الأولويات وترتيبها حسب الأهمية: ما هو المهم و ما هو الأهم بالنسبة لي في حياتي؟ ما الذي أعتبره أولوية؟ قد يكون المال أولوية للعديد من البشر و قد تكون أولويتك العلاقات الإجتماعية مع أقرب الناس لك و مجتمعك؟ أو قد تكون أولويتك هي العلاقة مع الله سبحانه و تعالى و دينك؟
  • العوائق الاجتماعية والبيئية: هل الأهل و الأصدقاء محفزون أم مستهزؤون لو علموا بتخطيطك للمستقبل؟
  • الخوف من المجهول: غالبية البشر لا يرغبوا فالتفكير فالمستقبل بسبب الخوف من المجهول و غالبا لديهم عبر و مواعظ و قصص تدعم ذلك، منها “إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”.
  • عدم الثبات و قلة الصبر: و هي من أهم و أصعب متطلبات التخطيط و قليل من لديه العزم و الإلتزام حيث أن نتائج عمليات التخطيط الشخصي غالبا ما تكون بعيدة المدى من أشهر و سنوات و لذلك هنالك تلك القلة القليلة التي تستطيع الإستمرار و الصمود و بإذن الله سنكون من ضمنهم.

مجالات الحياة:

هنالك عدة مجالات يستطيع الفرد أن يركز عليها الإنسان في حياته من أجل خلق التوازن المطلوب، و هذه المجالات تختلف من طرف إلى آخرو من بيئة إلى أخرى و كذلك من مجتمع إلى آخر، سوف أقوم هنا بذكر مثالين لمجالات الحياة علما بأني أستخدم ما أراه سهلا و مناسبا بالنسبة لي، كل إنسان لديه الحرية في إختيار المجالات التي يرغب بالتركيز عليها حيث أننا جميعا مختلفون و كل واحد منا لديه من القدرات و الرغبات ما يختلف عن أي شخص آخر و لو نسبيا، و هذا مثال لمجالات متعدد فالحياة حيثت توضع أهداف لكل مجال من أجل عيش حياة الرضى التي نسعى إليها:

  • الروحي  
  • الصحي
  • المالي
  • الإجتماعي
  • المهني
  • الأسري
  • الثقافي
  • الذاتي

أما المجالات التي أقوم شخصيا بالتخطيط لحياتي من خلالها فهي كالتالي:

  • الروحي: كمثال الأهداف الدينية و الروحانية من تأمل و تفكر و خلافه.
  • المالي: كمثال الدخل الشهري و التوفير و الإستثمار.
  • العقلي : كمثال الدراسة و المعرفة من خلال القراءة و تعلم المهارات.
  • الجسدي: الجانب الصحي و البدني كمثال الوزن و ممارسة التمارين الرياضية.
  • العلاقات: العلاقة مع العائلة و الأقارب و الزملاء و الأصدقاء و المجتمع.

أهمية معرفة الأولويات:

قبل التطرق و التوسع في موضوع الأهداف و كيفية صياغتها من المهم معرفة ما هي أولوياتنا فالحياة، القصة التالية قد توضح أهمية الأولويات.

وضع الأستاذ دلواً على طاولة ثم أحضر عدداً من الصخور الكبيرة وقام بوضعها في الدلو بعناية، واحدةً تلو الأخرى، وعندما امتلأ الدلو سأل الطلاب: هل هذا الدلو ممتلئ ؟ قال بعض الطلاب: نعم. 
فقال لهم: أنتم متأكدون ؟ 
ثم سحب كيساً مليئاً بالحصيات الصغيرة من تحت الطاولة وقام بوضع هذه الحصيات في الدلو حتى امتلأت الفراغات الموجودة بين الصخور الكبيرة…. ثم سأل مرة أخرى: هل هذا الدلو ممتلئ ؟ 
فأجاب أحدهم: ربما لا.. 
استحسن الأستاذ إجابة الطالب وقام بإخراج كيس من الرمل ثم سكبه في الدلو حتى امتلأت جميع الفراغات الموجودة بين الصخور.. وسأل مرة أخرى: هل امتلأ الدلو الآن ؟ 
فكانت إجابة جميع الطلاب بالنفي. 
بعد ذلك أحضر الأستاذ إناءً مليئاً بالماء وسكبه في الدلو حتى امتلأ. وسألهم: ما هي الفكرة من هذه التجربة في اعتقادكم ؟ 
أجاب أحد الطلبة بحماس: 
أنه مهما كان جدول المرء مليئاً بالأعمال، فإنه يستطيع عمل المزيد والمزيد بالجد والاجتهاد. 
أجابه الأستاذ: صدقت.. ولكن ليس ذلك هو السبب الرئيسي.. فهذا المثال يعلمنا أنه لو لم نضع الصخور الكبيرة أولاً، ما كان بإمكاننا وضعها أبداً. 
ثم قال: قد يتساءل البعض وما هي الصخور الكبيرة ؟ 
إنها هدفك في هذه الحياة أو مشروع تريد تحقيقه كتعليمك وطموحك وإسعاد من تحب أو أي شيء يمثل أهمية في حياتك. 
تذكروا دائماً أن تضعوا الصخور الكبيرة أولاً.. وإلا فلن يمكنكم وضعها أبداً.. 
فاسأل  نفسك الليلة أو في الصباح الباكر.. ما هي الصخور الكبيرة في حياتنا ؟ وقم بوضعها من الآن.

إن معرفة و فهم شخصياتنا سيحدد ما هي أولوياتنا فالحياة، العديد منا يستهلك وقتا و جهدا كبيرا في تحقيق أهداف لا تجلب له السعادة و لكن غالبا ما يكون ذلك بسبب الضغط المجتمعي و رغبة فالحصول على القبول و التقدير من المجتمع، مثال على ذلك المنازل الضخمة و السيارات الفارهة و غيرها من الكماليات التي بإمكانها جلب الراحة فقط و أحيانا لفترات محدودة أيضا.

السمات الضرورية في الأهداف:

يجب علينا أن نفرق ما بين الأهداف و الأحلام، فلا ضير أن يكون لدى الإنسان أحلام يسعى لتحقيقها من خلال أهداف قابلة للتحقيق و لكن لا يجب أن نترك العمل و الإلتزام و نعيش في حلم بعيد عن الواقع و من المستحيل تحقيقه، كل منا يعلم ما هي قدراته و إمكانياته و كيف بإمكانه الصعود بها عاليا و لن يتم ذلك إلا بالتخطيط و بذل الجهد المطلوب، و لذلك توجد هنالك أدوات تساعدنا على وضع أهداف قابلة للتحقيق و هنالك سمات معينة يجب أن تتوافر بهذه الأهداف حتى نستطيع قياسها و إنجازها، أحدى أشهر و أسهل الأدوات هي SMART ، و كل حرف من هذه الأحرف يدل على سمة معينة:

  • محدد (Specific): يجب أن تكون الأهداف واضحة و دقيقة و غير غامضة، على سبيل المثال بدلا من قول “أريد جسما صحيا” يمكنك القول “سأخسر 10 كيوجرامات من وزني الحالي”
  • قابل للقياس (Measurable): يجب أن تكون لديك المقدرة على قياسه و متابعة تقدمك و تعديله متى ما أردت.
  • قابل للتحقيق (Achievable): بإمكانك وضع أهدافا صعبة و لكن قابلة للإنجاز كذلك، لا تقع في فخ الأهداف المستحيلة و يجب أن تكون لديك المقدرة على تخيل أنك حققت ذلك الهدف.
  • منطقي (Realistic): يجب أن تكون أهدافك منطقية و مرتبطة بحياتك العامة و مفيدة لك حتى تستطيع بذل الجهد لتحقيقها.
  • محدد المدة (Timed): يجب أن يرتبط الهدف بتوقيت نهائي مثلا 6 أشهر أو سنة.

فالمقال التالي سوف ننتقل من الشرح النظري لأهمية التخطيط إلى وضع خطة عملية نستطيع من خلالها ترجمة كل ما قرأناه و تطبيقه على أرض الواقع و ذلك من أجل تحقيق أهدافنا و المضي قدما بتحقيق أحلامنا و مزيد من النمو على جميع الأصعدة الشحصية.

ملاحظة: سأكون ممتنا لكم إن تم ضغط زر الإعجاب أو أضفتم تعليقا أو ملاحظة من أجل أن أستمر في الكتابة و تقديم محتوى يليق بكم، لكم جزيل الشكر

أضف تعليق